

أخيرا التقينا .... آسف ان لم أبادرك بالتحيّة فعتمة الضبّاب و النّور الخافت لمصباح الطّريق منعاني من معرفة وجهك الحزين ..
اعذري خطواتي الثّقيلة نحوك فلست السّبب ...عرفتني أعشق جوّ المطر الدافئ في سكون اللّيل .. لا أعلم ان كنت ستفهمينني اذا قلت أنّك زدتي روعة هذا الجوّ بحزنك ... و لكنّه ذوقي ...
عادة لا أحبّ غير الوحدة في جوّي ..ولكن بما أنّك ظهرت فلا مانع عندي أن تشاركيني خطواتي ..فأنت بالذّات من لديها فلسفتي .
دعيني للحظة أقف أمامك قبل أن نبدأ أوّل خطواتنا... دعيني أتعمّق في بريق عينيك ...لن أغوص لأبعد ممّا تسمحين لي فأنا مازلت أحترم قوانينك و سأبقى ...دعيني أستنشق عطرك دون لمس رقبتك .. دعيني أُسمعك همسة آه الشّوق و آه الرّغبة في آن.
لا تلتفتي نحوي حين تسمعينها فأخاف أن تلتقي شفاهنا و أكون مذنبا بالتعدّي على خصوصيّاتك..
أعرف أنّك تسمعين نبض قلبي من وراء جدار صدري فأنا بكل وضوح أسمع نبضك..لا تداري عنّي شعورك الممزوج بالخوف و الشّوق و الخجل فسأتفهّمه مثلما تفهّمت شعورك الأوّل الموحي بالغضب منّي.
------ دعينا نتمشّى في هذا الجوّ الدافئ رغم مطره و نبدأ أوّل خطواتنا و أوّل كلماتنا ... لن أمسك يدك كالماضي و لكن سيلامس كتفي كتفك مازحا .... فلا تمنعي صدّك لي معاتبا ... لن أحاكيك عن شوقي فلن تصدّقيه الاّ اذا كنت مازلت تفهمينني ...سأحكي لك عن حياتي بعدك و عن عجزي دونك ...سأحكي لك عن صورتك التي ارتسمت على وجوه كلّ النّساء اللّواتي عرفتهّن كي أنساك .. وعن صوتك الضّاحك و الغاضب و الباكي و الجدّي الّذي مازال يطرق أذني .... لن أحكي لك كيف كانت تمرّ السّنوات الكثيرة معك دون أن أكبرأو أفقد فيها وسامتي ...بل سأحكي لك كيف للحظات بعدك ارتسمت هاته التجاعيد على وجهي ....
------ لا تنظري اليّ هكذا بابتسامتك الشّامتة فمازلت كل حركاتك مغرية ..أرجوك احترمي ضعفي نحوك.
------ دعيني أحكي لك حين كنت أتسلّل من المسجد بعد شفعي و وتري مسرعا الى نافذتك ... كنت أعرف موعد هوايتك ..فالرّقص على أنغام الحروف لا يجيده غيرك....
دعيني أصف لك فرحتي بتألّقك و مدى براعتك و دعيني لا أخفي عنك غيرتي لتصفيقات جمهورك و ثنائهم على فقرتك....
------ كم حلمت في يقظتي و أنت ترقصين ... فتارة أراني من يقدّمك الى الجمهور ثمّ من خلف السّتار أختفي ...و تارة أراني أجلس على كرسيّ البيانو لأعزف لك بأناملي أجمل ما يناسب حركاتك....وحين كان يزورني مثل هذا الجوّ و أنا على نافذتك دائما ما تخيّلت نفسي واقفا على مسرحك بكماني الحزين أجاري خواطرك.... جعلت من فرجتي على هوايتك هوايتي فلا تعاتبيني و لا تفهمي أنّي كنت أتجسّس عليك ..
------ لا تسأليني لماذا لم أكن أطرق الباب كلآخرين و أدخل في الصّف معهم ... لا سيّدتي فلا أحد سينزع اعتقاد أنّي أحبّك وحدي و أنّك ترقصين لي وحدي .... و ان كنت واهما فاحترمي رغبتي في العيش واهما ....على الأقل لست مغرورا....
------ قد تودّين أن تعرفي ماذا كان يحدث حين ينسدل السّتار بعدك و يقوم الجمهور ناقدا بالإعجاب رقصك ... كنت أغيّر شكلي و أنتظر أن يخرج الجميع لأدخل أنا من نافذتك .... كنت أصعد المسرح و أتأمّل كرسيّك ...أسبح في عبق عطرك الطّاغي على المكان .. و أحيانا كنت أنزل الى طاولتك و أجلس مثلما كان معجبوك يجلسون و يتبادلون معك الحديث بلهفة و تردّين عنهم انت بغرور....
كنت أرتوي بقطرات الشّراب المتبقّي في كأسك و أترشّق باشعال سيجارتك التي لم تكوني تكملي نصفها .... حتى سجائرك كان لها طعم جميل و كأنّك توقّعين عليها ملكيتك ....
----- أنسى نفسي في طاولتك و لا أشعر باللّيل حتى ينتصف .... كنت أخرج فرحا لا لشئ سوى أنّك كنت هنا....أبيت ليلي سعيدا كذاك الرّضيع الذّي ارتوى من ثدي أمّه و نام .
----- يــــــــــــــــــــــــــــــــاه ...هل انتبهتي الى ثرثرتي ؟ آسف ... فقد حرمت منك الكلام حتى لم أنتبه لبزوغ الفجر و انقشاع الضّباب و توقّف المطر ...يبدو أنّنا وصلنا سيّدتي فهذه نهاية طريقي معك و لا يمكن أن أتعدّى حدودك فكما أخبرتك ..مازلت أحترم قوانينك و سأبقى .
أعرف أنّي بثرثرتي حرمت نفسي سماع صوتك ... ولكن سوف لن أبالي فكفاني منك أنّك رافقتني في ليلي و سمعت و لو بترفّع كلماتي .